النساء في السودان... صمود في مواجهة الصراع ونضال من أجل السلام

شددت الناشطة السودانية إحسان عبد العزيز، على أهمية مد جسور التواصل والتضامن بين النساء أينما كن، معتبرة أنه لولا صرخة التنظيمات النسوية والإعلام لظلّت الحرب غير مسموعة وبقي استهداف النساء بهذا الشكل البشع بعيداً عن أضواء الإعلام.

زهور المشرقي

تونس ـ بين أجواء الصراع التي تعصف بالسودان، تصدرت النساء المشهد في مواجهة تداعياته، متحملات عبئاً مضاعفاً من الأزمات الإنسانية والاجتماعية، وسط مشاهد مأساوية خلفتها سنوات طويلة من القتال.

تجد نساء السودان أنفسهن وسط دوامة الصراع، في ظل واقع شديد القسوة يفرض تحديات إضافية على حياتهن اليومية، من النزوح إلى الأوضاع الإنسانية المتدهورة، مروراً بدورهن القيادي في الحراك السلمي، حيث يشكل حضورهن في هذه الأزمة عاملاً حاسماً يستدعي الاعتراف والدعم الدولي.

 

"النزوح من الموت أشبه بالانتقال إلى موت آخر"

تقول القيادية بالحركة الشعبية والتيار الثوري الديمقراطي إحسان عبد العزيز، إن فترة الصراع في السودان شهدت تطورات سريعة واتخذت أبعاداً خطيرة، حيث كان المواطن السوداني هو الضحية الأولى، متحملاً خسائر فادحة وسط تجاهل عالمي لما يحدث، معتبرةً أن الصراع قد توسع بشكل مقلق، مستذكرة تصريحات أطراف النزاع الذين زعموا أن الفوضى ستنتهي خلال أسبوع، بينما تجاوز الصراع عامها الثاني، مخلفاً وراءه ملايين المهجرين قسرياً وآلاف القتلى، معظمهم من النساء والأطفال، في مشاهد مأساوية.

وأضافت "بات الهروب من الموت أشبه بالانتقال إلى موت آخر، إذ لم تعد هناك مناطق آمنة، وأصبح السودان كله هدفاً للصراع، حيث امتد الصراع إلى كل حي ومنطقة، وارتسمت مآسيها على أجساد الضحايا، إضافة إلى ذلك، فإن الوضع الإنساني بلغ مستويات كارثية، حيث تهدد المجاعة البلاد، وتنتشر الأوبئة القاتلة والأمراض نتيجة التلوث والجوع وانعدام النظافة الصحية، فأكثر من 30 مليون شخص يواجهون خطراً محدقاً، وكانت النساء الأكثر تأثراً بهذه التطورات، إذ يتحملن مسؤولية إعالة أسرهن وأطفالهن وسط ظروف شديدة القسوة".

كما أشارت إلى مقتل قيادات نسوية شابة، حيث استُهدفت أصواتهن العالية في محاولة لإسكات صرخة النساء، تلك الصرخة التي كانت سبباً في لفت الأنظار إلى الأوضاع المأساوية.

مرحلة حرجة

أما عن معاناة النساء في مناطق وبلدان النزوح، وهن المعروفات بارتباطهن العاطفي العميق بالوطن والبيت والأسرة، فقد أوضحت أنهن "تواجهن صعوبات نفسية جسيمة أثناء انتقالهن داخل السودان، من بيئة إلى أخرى، ومن المخيمات والمعسكرات إلى دور الإيواء، وكلها أماكن غير مهيأة للعيش الكريم، ومن الطبيعي أن يؤثر هذا الواقع القاسي على نفسيتهن، حيث تجدن صعوبة في تقبل أوضاعهن الجديدة، خصوصاً في ظل الجوع وغياب الخدمات الأساسية على جميع المستويات"، مشيرةً إلى أن "هذا الوضع يزيد من أزمتهن النفسية، إذ تغيب حتى الأماكن المناسبة لقضاء الحاجات الأساسية، مما يضطرهن إلى افتراش الأرض للنوم، وهو واقع قاتل لهن، نظراً لطبيعتهن التي تجعل التأقلم مع هذه الظروف المأساوية أمراً بالغ الصعوبة".

وترى أن النزوح المستمر نتيجة الصراع سيؤدي إلى تفاقم أزمة الجهل، إذ يهدد الصراع بإنتاج جيل يعاني من الأمية، مما يشكل خطراً كبيراً على مستقبل البلاد.

ودعت المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم العاجل للنازحين في السودان، وفتح الممرات الآمنة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، مؤكدة أن هذا الأمر يجب أن يكون أولوية قصوى نظراً لارتباطه بحياة المدنيين، ولا سيما النساء والأطفال، مشددةً على أن السودان يمر بمرحلة حرجة تتطلب إغاثة عاجلة، لمنح الأمل وإعادة الحياة للناس وسط هذه الظروف القاسية.

 

نهب واستغلال الموارد لضمان استمرار الصراع

وفيما يتعلق بموقفها من الصراع والموقف الحزبي، أكدت أنه "منذ اللحظة التي أُطلقت فيها أول رصاصة، رفعنا شعار "لا للحرب"، وطالبنا بوقفها، فالعنف لا يُنتج سوى المزيد من العنف، إلا أن أطراف الصراع، المأسورة بصراع السلطة والثورة، لم تُلقِ بالاً لهذا النداء".

وأشارت إلى أن السودان "رغم ثرائه، يعاني من نهب مستمر لثرواته، حيث تُصدَّر موارده بينما يعاني شعبه من الجوع، ويتم تهريب الذهب والمواد الغذائية وكل ما يمكن استغلاله لضمان استمرار الصراع"، مؤكدةً على أن  القوى المدنية والثورية تواصل مطالبتها بوقف هذا الصراع، وضرورة إنهاء نزيف الدم السوداني، حفاظاً على مستقبل البلاد وأبنائها.

 

دور النساء في السلام ليس امتياز بل حق مكفول

وترى أن دور النساء في عملية السلام ليس امتيازاً يُمنح لهن، بل هو حقٌ مكفولٌ بموجب الاتفاقيات الدولية ويكرس القرار 1325 دورهن في بناء السلام وإنهاء النزاعات "لا ينبغي للنساء انتظار الاعتراف بهن أو استجداء القوى السياسية الحاكمة، بل عليهن انتزاع مكانتهن بوضوح وإصرار، فالحروب التي يشهدها العالم غالباً ما تكون نتيجة قرارات اتخذها الرجال، بينما تتحمل النساء العبء الأكبر من تداعياتها، مما يجعل مشاركتهن في جهود السلام أمراً بالغ الأهمية".

وأكدت "النساء في السودان اليوم تمثلن الصوت الأعلى، حيث أطلقن مبادرات ترفع شعار "لا للحرب، نعم للسلام"، كما تم تشكيل تجمعات نسوية بعد اندلاع الصراع، اتسمت بالجرأة والقوة، وكان لها حضور واضح رغم التهديدات التي تواجهها".

 

"نساء ضد الظلم" حملة لرصد الانتهاكات وتوثيقها

وأوضحت أن النزاعات والحروب تؤثر على جميع فئات المجتمع، تاركة وراءها العديد من الضحايا والمتضررين، إلا أن النساء والفتيات تتحملن العبء الأكبر، خاصة مع تفشي جرائم الاعتداء الجنسي التي تُستخدم كسلاح، وقد تجلّى ذلك بشكل واضح في الصراع الحالي في السودان، حيث باتت أجساد النساء ساحة للصراع بين الأطراف المتنازعة، وقد دفع هذا الواقع المرير بحملة "نساء ضد الظلم"، منذ الأشهر الأولى للصراع، إلى التواصل مع دور الإيواء ومعسكرات النازحين واللاجئين، لرصد الانتهاكات وتوثيقها من خلال عضوات الحملة، في محاولة لرفع الصوت ضد هذه الجرائم والعمل على الحد منها.

وتسعى الحملة في جوهرها، إلى التصدي للظلم بكافة أشكاله، وحماية حقوق مختلف فئات المجتمع، بهدف تحقيق دولة القانون وضمان احترام حقوق الإنسان، ومع اندلاع الصراع في الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023، أصبح التركيز الأساسي منصباً على إنهاء الصراع ومواجهة الانتهاكات التي تُرتكب خلالهن.

ولتحقيق ذلك، تتبع الحملة منهجية واضحة تهدف إلى التصدي لهذه التحديات والعمل على تحقيق السلام والاستقرار، من خلال رصد وتوثيق الانتهاكات التي حدثت خلال الصراع في جميع ولايات السودان، وتسليط الضوء على المسؤولين عنها من خلال جهود إعلامية مكثفة، كما تمتلك الحملة وحدة إعلامية متخصصة في كشف هذه الانتهاكات وفضح مرتكبيها عبر وسائل إعلامية متعددة، بالإضافة إلى ذلك، تسعى الحملة إلى تمكين النساء للعب دور رئيسي في حل الأزمة ووقف الصراع، من خلال وضع برامج مشتركة تعزز مشاركتهن في جهود السلام.

وتشمل أنشطتها التأكيد على دور النساء في الأمن والسلم وفق القرار 1325، إلى جانب دعم دور الشباب والشابات في هذه الجهود وفق القرار 2250، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر استقراراً وسلاماً، كذلك إدماج حقوق النوع الاجتماعي والأجندة النسوية في كل المبادرات المطروحة لوقف الحرب والتصدي القانوني وعدم الإفلات من العقاب.

ولفتت إحسان عبد العزيز الانتباه إلى الجهود التي تبذلها التنظيمات النسوية لإنهاء الصراع وإيصال صوت النساء اللاتي شكلن درعاً في مواجهة الصراعات، فرغم الاختلافات السياسية، تمكنت الجمعيات من التوافق على الأجندة النسوية، مؤكدة على أنه "بالوحدة نبني السلام ونطبق القرار 1325، ولن نتنازل عن حقوقنا، لدينا تجارب سابقة يمكن الاستفادة منها في صياغة أجندة الدستور، إلا أن اندلاع الصراع حال دون استكمال هذه المساعي، مما شكل عقبة أمام تحقيق التحول الديمقراطي المنشود".

وأشارت إلى أن القوانين السودانية الحالية تتعارض مع الاتفاقيات الدولية والقوانين التي كفلت حقوق النساء عالمياً، مما يستدعي جهوداً مكثفة لتجاوز هذه التحديات، لافتةً إلى الدور الفاعل للسودانيات منذ الثورة في رفض القرارات القمعية، ومناهضة العقوبات مثل الجلد والاضطهاد، باعتبار ذلك خطوة مهمة لمواجهة الأنظمة الأبوية، كما تطرقت إلى قانون النظام العام، الذي تم استغلاله لضرب النساء، خاصة المادة 152 التي تتعلق بالأفعال "الفاضحة" وفقاً لتفسير المشرّع، مما يبرز الحاجة إلى مراجعة قانونية تضمن العدالة وتحمي حقوق المرأة.

 

أساليب مختلفة لقمع النساء والحد من حريتهن

وترى أنه "لا يوجد معيار واضح للملابس "الفاضحة"، كما يتضح من قضية الصحفية لبنى محمد حسين عام 2009، حيث تم القبض عليها ومحاكمتها بموجب قانون النظام العام، رغم ارتدائها بنطلوناً واسعاً وقميصاً طويلاً، والذي اعتُبر قصيراً فقط لأنها كانت مستهدفة كصحفية، يبرز ذلك الطبيعة الفضفاضة لهذه الأحكام، التي تُستخدم كوسيلة لقمع النساء والحد من حرياتهن دون أسس قانونية واضحة".

وأكدت على أهمية التشبيك النسوي باعتباره ضرورة لتوحيد الجهود والتعامل مع القضايا المشتركة، رغم اختلاف الظروف من دولة لأخرى، داعية المنظمات إلى دعم النساء السودانيات في محنتهن، معبرة عن استعدادها لتقديم تقارير توثّق الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة السودانية "إن الحرب تُخاض على أجساد النساء، مما يستدعي تضامناً واسعاً للضغط على المجتمع الدولي".